$type=ticker$count=12$cols=4$cate=0

مروان الغفوري يكتب: عن الظل الطويل لتلك الحرب

يتردد مؤخراً حديثٌ عن أن القوات السعودية التي وصلت، في الأيام الماضية، إلى عدن ستعمل على استعادة قصر الرئيس هادي (مِن مَن؟)، وستسهل عب...

مروان الغفوري يكتب: عن الظل الطويل لتلك الحرب

يتردد مؤخراً حديثٌ عن أن القوات السعودية التي وصلت، في الأيام الماضية، إلى عدن ستعمل على استعادة قصر الرئيس هادي (مِن مَن؟)، وستسهل عبوره من المطار إلى قصره، في حال قرر العودة. لم تفلح عاصفة الحزم، التي انطلقت لأجل استعادة الشرعية، في استعادة دار في عدن المكتظة بجيوش وآلات التحالف، ولفيف مترامي الأطراف من الكتائب المُلحقة. 

كان محمد بن زايد يشرح الأسباب التي دفعت بلاده للمساهمة في التحالف، قائلاً إن دولته لن تسمح بإهانة جد العرب. محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، اختار تعبيراً آخر في الحديث عن جد العرب: "أصل العرب". ثم، بعد وقت يزيد أو يقل، ترك بن سلمان ما يقرب من مائة برلماني يمني لنصف عام حتى يأذن لهم بالدخول عليه. وعلى غير عادته قرر بن سلمان أذن لهم بن سلمان بإلقاء القصائد التي تمجد سلالته وتاريخها، واستنكف عن قول بضعة كلمات أمام "أصل العرب"، ولو عن طريق المواساة كأول مرة. 

عندما قرر جد العرب "هادي" إقالة مسؤول عسكري صغير اسمه "أبو قحطان" ضربته القوات الإماراتية بطائرات الأباتشي. وشوهد جد العرب هادي ينزل إلى مطار أبو ظبي بينما يقف في انتظاره صغار الضباط. قررت الإمارات أن توجه صفعة قاسية إلى وجه "أصل العرب" أمام عدسات الكاميرا، لأسباب غير معروفة، وربما كانت غاية في التفاهة، متجاهلة كل الأعراف الدبلوماسية بما فيها تلك التي تتسامح مع أقسى الصفعات، شريطة أن تؤدى بدبلوماسية. تجاهل "بن زايد" جد العرب، وفضل التقاط الصور مع أحد سلَفيي عدن الأكثر راديكالية، يدعى "هاني". سبق أن نجحت السعودية في تحويل صالح، الرئيس، إلى مرتزق في كشوفات مدفوعات اللجنة الخاصة، بحسب حليفه السابق الجفري. 

إذا غاب هادي عن المشهد، قُتِل، فإن التبرير القانوني الذي تستند إليه حرب السعودية باليمن سيختفي. لكن عودته لليمن، وإن كانت تنطوي على خطر ما، فإنها ستمنح السياسة والحياة والمقاومة وزناً كبيراً

الاحتمالات التي يمكن لليمن أن ترسو عليها مظلمة. فأياً كان شكل الدولة التي ستخرج من هذه العاصفة فستكون، بالتأكيد، دولة ناقصة السيادة على نحو جذري. في جنوب اليمن قفز القادة الشعبويون إلى الإمام وتنازلوا، كلياً، عن السيادة. فقادة المجلس الانتقالي يعقدون لقاءاتهم تحت العلم الإماراتي في غياب تام للعلم اليمني. لا مقابل، حتى الآن. فقد بيعت السيادة جنوباً مقابل أن تدبر الإمارات رواتب شهرية منتظمة، وغير رسمية، لسلسلة من التشكيلات الميليشوية التي تعمل تحت إدارتها.

إن أفضل ما يمكن أن تقدمه الإمارات للجنوب هو أن تساهم في استعادة السلطة البيروقراطية للدولة، بأجهزتها الوظيفية كلها. تعمل الإمارات على الحيلولة دون ذلك، فهي تدرك أن الفراغ هو الوضع المناسب لحركتها. في صنعاء، كما في مأرب، لا يملك اليمني قراره، ولا أرضه: أي سيادته. ومن غير المتوقع أن تخرج السفينة من الظل الطويل للتحالف، وللحرب، في المدى المنظور. فنحن أمام رؤية عملية تقول إن اليمن أخطر من أن يُترك وحيداً.

بالإمكان إلحاق هزيمة عسكرية سريعة بالحوثيين في الجزء الواقع تحت سيطرتهم، ولكن لماذا. فاليمن بلد جائع منذ زمن طويل، وتسكنه الحروب. إن الصورة النهائية لليمن الراهن، في تجلياتها الكارثية المفزعة، هي بالنسبة لصانع السياسة والأمن في الخليج تبدو مألوفة، فلا تشكل ضغطاً. لم يحدث أن اكترثت السعودية لمسألة الدولة اليمنية خلال تاريخ العلاقة بين البلدين. أما عاصفة الحزم فقد وقعت لمنع "الهلال الشيعي من الاكتمال"، كما يقول بن نائف، ولي العهد المعزول. استعادة الدولة اليمنية مسألة أخرى، ومختلفة. 

يحتاج اليمنيون لسلام يستند إلى مشروع دولة، على أن تكون دولة قابلة للبقاء، لا دولة ملفقة. الدولة التي أنجزها صالح، خلال ثلث قرن، كانت دولة ملفقة، وكان يعمل على إصلاح أعطالها المتكررة بالحروب. تدرك السعودية الفرق بين دولة قابلة للحياة ودولة ملفقة، لكن ذلك الفرق لا يحفزها لفعل شيء ما. ويبدو أن السعودية صارت مقتنعة أنه من الصعب أن ينجز اليمنيون دولتهم في المدى المنظور، وأن أفضل النتائج الممكنة هي ألا تتسبب لدولتهم في زعزعة دولة الآخرين.

قبل أشهر عرضت صحيفة الشرق الأوسط، السعودية، تقريراً عن الغوث المالي الذي قدمته السعودية خلال أشهر للشعب اليمني. في تقريرها اعتبرت الصحيفة التحويلات المالية التي تصل المواطنين اليمنيين من ذويهم "العمال" في السعودية عوناً مالياً سعودياً، ومكرمة تستحق التمجيد. ذلك أقصى ما يمكن أن تقدمه السعودية لجارتها: سلسلة من التحويلات المالية المتكررة، على المستوى الفردي، تخرج من الدولة وتصب في اللادولة، مع دعم رأسي مباشر إلى الحكومة المركزية يكفي لتثبيت العناصر الجنينية للدولة البيروقراطية، على أن تبقى جنينية في كل أطوارها، كما حدث مع دولة صالح. 

سيمضي وقت طويل حتى يعثر اليمنيون من جديد على دولة، وستكون تلك الدولة بحاجة ماسة إلى قدر مرضٍ من سيادة صعبة المنال

تبحث السعودية، مؤخراً، عن وسيلة تمكنها من إعادة صالح إلى الحكم، لكي يستعيد دولته الملفقة. ترى السعودية في ذلك النموذج حلاً سحرياً للمشكلة اليمنية. فاليمن، في التقدير السعودي، مشكلة على شكل دولة، أو العكس. وقبل عامين قلتُ لرئيس اللجنة الخاصة السعودية، المعنية بالشأن اليمني، إن اليمن واحدة من الأقدار الطبيعية التي لا يمكن زحزحتها، وأن السعودية إذا كانت ترغب بجار كالسويد أو فنلندا فلن تكون بلد النفط الأكبر في العالم. وأن هذا القدر التاريخي هو قدر من اتجاهين، وأن اليمن لو أنها وقعت إلى جوار السويد لكانت قد حصلت على نظام حكم رشيد، ودولة قابلة للحياة. 

يعيش الرئيس هادي في السعودية، وبمقدوره العودة إلى اليمن لو أذن له التحالف، وأتاح له ظروف العودة. يحتاج اليمن، أكثر من أي وقت مضى، لرؤية الرئيس هادي وهو يمشي في شوارع البلد. تحتاجه أيضاً السعودية في المعركة التي تخوضها وفقاً لمصلحتها. المصلحة السعودية أولاً، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بهادي، فعليه أن ينجز مصلحتها قبل أي شيء. إذا غاب هادي عن المشهد، قُتِل، فإن التبرير القانوني الذي تستند إليه حرب السعودية في اليمن سيختفي أيضاً. لكن عودته إلى اليمن، وإن كانت تنطوي على خطر ما، فإنها أيضاً ستمنح السياسة والحياة والمقاومة وزناً كبيراً في بلد أهلكته الحروب، وهيمنت عليه روح التشظي. يريد البلد "جد العرب هادي" لدعم استقراره، ولو عند مستوى ما، وتريده السعودية، فتنال ما تريده. وكعادة جد العرب فإنه يأتي أخيراً. 

سيمضي وقت طويل حتى يعثر اليمنيون من جديد على دولة، وستكون تلك الدولة بحاجة ماسة إلى قدر مرضٍ من سيادة صعبة المنال. حتى مع القدر اليسير من السيادة فإن الديموقراطية كما نعرفها ستصبح جزءاً من أحلام ثورة ١١ فبراير، الثورة التي سرعان ما صارت جزءاً من ماضٍ سحيق. وفي أفضل الظروف فإن شكلاً من أشكال ديموقراطية التوافقات، على الطريقة اللبنانية، سيحل بكل طاقته التدميرية الكامنة. ومن وقت لآخر ستتدخل السعودية لإصلاح أعطال الحياة مستخدمة كل تلك الوسائل التي صنعت الأعطال.

مقالات الرأي تعبر عن كتابها ولا تُعبر بالضرورة عن رأي «عاجل بوست»

COMMENTS

الاسم

آراء,25,إحسان الفقية,1,أخبار,244,إسبانيا,8,إسرائيل,9,إغتصاب,5,إقتصاد,15,الأرجنتين,1,الأردن,2,الإمارات,41,البمن,2,البيضاء,1,الجزائر,1,الجوف,3,الحديدة,23,الحوثيون,70,الحوثيين,3,السعودية,86,السودان,3,الصين,1,الضالع,1,العراق,1,القاعدة,1,الكويت,4,المغرب,2,الملك سلمان,2,المهرة,2,الهند,1,اليمن,285,اليمن، خالد الرويشان، آراء,1,أمريكا,36,إنفوغراف,8,أوباما,1,إيران,13,برشلونة,2,بريطانيا,5,تحرش,1,تحقيقات,3,تحليلات,7,ترامب,19,تركيا,3,تعز,4,تفاعل,13,تقارير,83,تقريرTV,2,تكنولوجيا,5,تونس,1,جرائم,1,جمال خاشقجي,4,جمال عامر,1,حجة,4,حزب الله,1,حضرموت,1,حياتنا,2,دعارة,3,ديفيد هيرست,2,ذمار,4,رشاد السامعي,1,رمضان,1,روسيا,6,ريال مدريد,2,ساخن,1,سقطرى,3,سوريا,5,سوشل ميديا,5,سيارات,1,سيئون,1,صالح,24,صحافة,8,صحة,9,صعدة,3,صنعاء,59,ضاحي خلفان,1,طرائف,1,عاجل,14,عادل الأحمدي، آراء,1,عبدالملك الحوثي,7,عدن,28,عربي,1,علي عبدالله صالح,5,عمان,8,غرائب,2,فرنسا,2,فلاشات,5,فلسطين,5,فن,1,فوق السلطة,1,فيديو,24,قبائل حجور تكسر الحوثي,2,قرارات,2,قطر,7,كاريكاتير,1,كأس العالم 2018,1,كمال البعداني,1,كندا,1,كوريا الشمالية,3,لبنان,6,لحج,1,ليبيا,2,مأرب,2,ماكرون,2,ماليزيا,1,محلي,9,محمد بن زايد,5,محمد بن سلمان,11,محمد جميح,2,محمد عبدالسلام,1,محمد مصطفى العمراني,1,محمد هنيد,1,مروان الغفوري,7,مشاهير,14,مصر,6,ملاعب,9,مميز,10,منوعات,16,ميديا,29,ميركل,1,نُبذة عن,2,نبيل عودة,1,هادي,8,وثائقي,4,وجوة,4,ولد الشيخ,10,ياسين التميمي,6,ياسين سعيد نعمان,1,
rtl
item
عاجل بوست: مروان الغفوري يكتب: عن الظل الطويل لتلك الحرب
مروان الغفوري يكتب: عن الظل الطويل لتلك الحرب
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiU8bs2QfMhxmw5XpWWHJR3_x1qjVenUjePORm7evz_oszwf1mCocyBYNKyRO_-mGcuOPnEAsbCU99bGvfPJqcPTZCAxJMnGgYoXrBxqFY2gWop2Df-bbX5KBqNhAi1UHYFzIAPbqQCGgI/s400/%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%2588%25D8%25A7%25D8%25AA+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25BA%25D9%2581%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%258A+%25D9%258A%25D9%2583%25D8%25AA%25D8%25A8.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiU8bs2QfMhxmw5XpWWHJR3_x1qjVenUjePORm7evz_oszwf1mCocyBYNKyRO_-mGcuOPnEAsbCU99bGvfPJqcPTZCAxJMnGgYoXrBxqFY2gWop2Df-bbX5KBqNhAi1UHYFzIAPbqQCGgI/s72-c/%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%2588%25D8%25A7%25D8%25AA+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25BA%25D9%2581%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%258A+%25D9%258A%25D9%2583%25D8%25AA%25D8%25A8.jpg
عاجل بوست
https://www.aajelpost.net/2017/08/blog-post_90.html
https://www.aajelpost.net/
https://www.aajelpost.net/
https://www.aajelpost.net/2017/08/blog-post_90.html
true
316963351525451398
UTF-8
تحميل جميع المشاركات لم يتم العثور على أي مشاركة عرض الكل إقرأ المزيد الرد إلغاء الرد حذف عبر الرئيسية صفحة رقم المشاركات عرض الموضوع بالكامل مواضيع متعلقة قسم إرشيف بحث جميع المشاركات لم يتم العثور على شيء مطابق العودة إلى الرئيسية الأحد الآثنين الثلثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat يناير فبراير مارس إبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر Jan Feb Mar Apr مايو Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec الآن منذ 1 دقيقة $$1$$ minutes ago منذ 1 ساعة $$1$$ hours ago يوم أمس $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون إتبع THIS CONTENT IS PREMIUM Please share to unlock نسخ الرمز بالكامل تحديد الرمز بالكامل تم نسخ جميع الرموز إلى الحافظة الخاصة بك Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy