$type=ticker$count=12$cols=4$cate=0

«الصراع الصامت».. التحرش الإماراتي بعُمان جنوبي اليمن

في الجنوب اليمني، يدور صراع صامت بين الإمارات وسلطنة عمان، تشكل محافظة المهرة فيه حلقة من حلقات السعي لبسط النفوذ وتحقيق المصالح. فما قصة هذا الصراع، وما أبرز ملامحه؟

«الصراع الصامت».. التحرش الإماراتي بعُمان جنوبي اليمن

عاجل بوست - ميدان:
فــي صباح الثلاثاء 14 نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2017، أفاق أهالي الغيضة بمحافظة المهرة الحدودية عــلـى صور ضخمة للسلطان العماني "قابوس بن سعيد" تملأ أرجاء الـــمــديـنـة (1) حاملة إليه كلمات شكر وعرفان بالجميل لوقوفه إلــى جانب المحافظة. كان الحدث جديدا مــن نوعه، لكن سببه لم يكن مجهولا، حيث عززت المساعدات العمانية المستمرة لأهالي المحافظة الامتنان للدور العماني فــي الحفاظ عــلـى استقرارها.

إضغط للإستماع




غير أن الحدث أقلق طرفا آخر لم يكن لتسره مشاهد تمجيد سلطان عمان فــي قلب مناطق الجنوب التي تراها أبو ظبي مــن صميم نفوذها فــي اليمن، حيث تلعب الإمارات دور صاحب النفوذ الأكبر فــي إدارة المشهد الأمـــني والعسكري والسياسي فيها.

شكل الحدث لأبو ظبي شبه انهيار لجهود عامين تقريبا مــن مساعدات أغرقت بها المحافظات الجنوبية الــيــمــنــيــة دون أن يمنحها ذلـك الأفضلية المطلوبة عــلـى مُنازعها العماني عــلـى الحدود، وهو مـــا اكتشفته قبل حادثة الصور تحديدا بأيام، عندما كانت قـــوات "النخبة المهرية"، المدربة سعوديا عــلـى الأرجح عــلـى وشك دخول المحافظة قبل أن تعترضها السلطات المحلية وتمنعها مــن الدخول.
لم تكن تلك القوات المهرية هي الأولى مــن نوعها المدربة مــن قبل مـــا يسمى بـ"التحالف العربي" مــن بـيـن أبناء مــحــافــظــة مـــا لتولي مهام الأمـــن بها (2)، وهي تدريبات تحتل أبو ظبي الجزء الأكبر مــن فضاء استغلالها بجانب الرياض، لكن حسابات المهرة تحديدا تختلف عـــن العديد مــن مناطق اليمن، ليس فقط لموقعها حارسا عــلـى بوابة اليمن التجارية مــن الشرق والمتشاركة فيها بشكل كلي مـــع عمان، بل أيضا لوجود علاقة سابقة بعقود لدخول قـــوات "الــتــحــالــف الـــعــربـي" الـــمــديـنـة فــي عام 2015 ضمن عملية "عاصفة الحزم"، وهي علاقة اعتمدت بالأساس عــلـى اندفاع عماني دائم لحفظ حدودها مـــع اليمن (3)، ومنحت معه قبائل المهرة ميزات خـــاصـــة مــن دخول ميسر للسلطنة والخروج منها، وممارسة التجارة عــلـى حدودها، وغيرها مــن مزايا يصعب تجاهلها أمام وجود غير معلوم المصير أو الصلاحية لقوات الــتــحــالــف فــي الـــمــديـنـة.

لا يقف الـــصـــراع بـيـن أبو ظبي ومسقط عند حدود الـــحــرب فــي اليمن، بل يسبق ذلـك بعقود طويلة ظلت فيها علاقات الدولتين مشوبة بحذر تُحيطه خلافات عدة مـــا أن تختفي لسبب إلا ويُجددها آخر، وإن شكلت مظلة مـــجـــلـــس التعاون الخليجي جزءا مــن تلافي آثار سيئة لهذه النزاعات فــي المنطقة لسنوات عدة، لكن هذه المظلة عــلـى وشك الانهيار أمام دفاع كل دولة عــلـى حدة عـــن مصالحها الخاصة، وأمام طموح أبو ظبي الشاسعة، وسواء كان هذا داخل حدود كل منهما أم خارجها، فإن الـــصـــراع فــي اليمن -وتحديدا فــي المهرة- يبقى مرهونا بقدرة كلتا الدولتين عــلـى استكمال الطريق نحو أهدافهما هناك، وعلى مدى مـــا يمكن أن تذهب إليه أبو ظبي لكسب معركة السيطرة.

إقرأ أيضاً: «رمال متصهينة».. القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية


الكابوس

وضعت مسألة الحدود كلا مــن الإمارات وعمان فــي مأزق منذ زمن بعيد، كانت فيه الإمارات نفسها جزءا مــن المملكة القديمة لعُمان، قبل أن يتولى الاستعمار مهمة تقسيم أراضيها فــي مـــا بينه، ثم تركها فــي مـــا بعد تحت وطأة الصراعات القبلية عــلـى الأرض والنفوذ، وهي صراعات شكلت فيها الحدود بـيـن الدولتين مساحة متجددة لمعارك بدأت فــي الخمسينيات حول "واحة البريمي" (4)، وانتهت بشكل مـــا مـــع انتهاء الـــصـــراع حول الشريط الساحلي الممتد بطول 16 كيلومترا عــلـى حدودهما.
شكل هذا الـــصـــراع الأخير محور أزمـــة اضطرت فيها كل مــن السعودية والكويت لتدخل عاجل قبل أن ينتهي الأمر بحرب خليجية محتملة لا تُحمد عقباها، وبينما أسس تدخلهما لاتفاق ترسيم الحدود المتنازع عليها عــلـى مرحلتين، أولاهما فــي عام 1996(5) والأخرى فــي 2008، فإنه فــي  مرحلة مـــا وســـط هذا النزاع الطويل قررت الإمارات الانتهاء مرة واحدة وإلى الأبد مــن معركتها الحدودية، وفـــي عام 2005 بدأت أبو ظبي ببناء جدار حدودي فاصل بينها وبين عُمان مــن ناحية والسعودية مــن ناحية أخرى بحجة "التخلص مــن أزمـــة التهريب والاتجار بالبشر وكذا الإرهاب العابر للحدود مــن كلتا الدولتين إليها" كما قــالــت. (6)
لم يكن الهدوء التالي للانتهاء مــن ترسيم الحدود بـيـن الدولتين سوى ذلـك الذي يسبق العاصفة، عاصفة بدأتها الإمارات فــي قلب عُمان نفسها عندما أعلن (7) التلفاز الرسمي العماني، أواخر يناير/كانون الثاني عام 2011 عـــن اكتشاف "شبكة جاسوسية إماراتية تستهدف نظام الحكم فــي سلطنة عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري" كما قـــال، وقبل أن تبدأ الكويت بسلسلة جولات مكوكية سارعت مــن خلالها للقضاء عــلـى الأزمـــة فــي مهدها وقبل أن تتورط إحدى الدولتين فــي أزمـــة جديدة عــلـى إثرها.



شكلت تلك الكلمات المختصرة للتلفزيون العماني أقصى مـــا سيُعرف عـــن حادثة الجاسوسية حتى الآن قبل أن تُنهيها الكويت، وقبل أن يبدأ الربيع الـــعــربـي إعادة تشكيل المنطقة كاملة فــي مجموعة صراعات بعينها، أتى فيها الـــصـــراع السني الشيعي فــي سوريا واليمن ولبنان عــلـى رأس قائمة صراعات حاربت فيه السعودية بجانب الإمارات ضد إيران إقليميا. وبينما كان الـــصـــراع فــي سوريا ولبنان بالوكالة وعبر مجموعة مــن الشخصيات أو الجماعات المحسوبة عــلـى رأس مـــا عرف بـ"الــتــحــالــف السني" فــي المنطقة، فإن الـــحــرب فــي اليمن تحديدا كانت شاهدة عــلـى تدخل كلتا الدولتين بقواتهما مــن جهة، ومن جهة أخرى بمعارك جانبية للمصالح وجدت فيها أبوظبي نفسها مــن جديد تقف وجها لوجه أمام خصمها العُماني.

فرضت الـــحــرب الــيــمــنــيــة نفسها بداية لما اعتبرته كل مــن أبو ظبي والرياض "وقوفًا فــي وجه المد الشيعي المدعوم إيرانيا" (7) فــي الخليج، وهو مد عرف طريقه إن جاز القول خلال معارك الحوثيين "جماعة أنصار الله" المعارضة للحكومة الــيــمــنــيــة السابقة بقيادة علي عبد الله صالح والمدعومة مــن إيران. لم يدم الأمر كثيرا عــلـى هذه الحالة، ووجدت كلتا الدولتين نفسيهما فــي مـــا بعد أمام معارك جانبية عدة وقفت فــي بعضها الرياض فــي وجه أبو ظبي، وكـــان عــلـى رأس هذه المعارك دعم الأخيرة للجماعات الانفصالية فــي الجنوب الــيــمــنـي، وخاصة فــي منطقة المهرة، والذي أنتج خلافا داخل المحافظة مـــع قـــوات الــتــحــالــف نفسها مــن جانب، ومع عُمان مــن جانب آخر.

بداية لم يكن نأي عمان عـــن الدخول فــي الــتــحــالــف الـــعــربـي فــي اليمن جديدا عــلـى سياستها البعيدة عـــن التحيز عــلـى طول الخط تقريبا، وإن وجدت نفسها فــي هذه المعركة تحديدا غير قادرة عــلـى التزام صف الحيادية طويلا أمام استمرار التدخل الإماراتي عــلـى الحدود معها فــي  المهرة، بداية بسبب وجود مكثف للهلال الأحمر الإماراتي فــي المحافظة الحدودية حمل فيه آلاف الأطنان مــن المساعدات الغذائية والأدوية إلــى المهرة بمديرياتها التسع، وليس انتهاء بالحديث عـــن تقديم المساعدة للسلطات المحلية فــي إعادة بناء الشرطة المهرية وقوات الأمـــن بها (8)، وهي أحاديث وجدت طريقها للواقع بالفعل عبر الإشراف عــلـى تدريب نحو 2500 مــن المجندين الجدد مــن أبناء المحافظة، تخرجت منها دفعتان بـ500 مجند لكل دفعة.

إقرأ أيضاً: قصة دحلان.. من أوكار التنسيق إلى قصور المؤامرات


شكلت التدريبات الإماراتية للقوات الأمنية المهرية عــلـى اختلافها أزمـــة اختلفت عـــن تدريب الإمارات لأي قـــوات يمنية فــي أي مــحــافــظــة أخرى، وامتدت لتشكيل أبو ظبي لهذه القوات بالأساس، فقد اعتمدت أبو ظبي بشكل كــــبـيـر عــلـى تغذية الطابع القبلي فــي عمليات التجنيد، وبما يهدف نهاية لعزلة القوى الأمنية المدربة إماراتيا نفسها عـــن بعضها البعض، وبما يمنح الـــعــاصــمـة الخليجية فرصة أفضل لفرض سيطرتها الكاملة عــلـى هذه التشكيلات دون ترك فرصة لأي تعاون محتمل بـيـن صفوفها قد يقف بعد ذلـك فــي وجه الإمارات أو مــن تضعه عــلـى رأس القيادة السياسية. بينما خدمت هذه التقسيمات القبلية مصالح الدعوات الانفصالية فــي جــــنـوب اليمن خـــاصـــة دون غيرها.

لم يخف عــلـى عُمان التحركات الإماراتية بالمهرة، وإن لم تكن بحاجة لفعل حازم وقوي فــي حينه، لكنها هي الأخرى ردت بداية بأرطال مــن المساعدات الإنـســانـيـة العاجلة، اشتملت فــي جزء منها عــلـى معونات نفطية مجانية وصلت لـ180ألف لتر مــن الديزل والبترول يوميا، إضافة لقواطر غذائية وأجهزة طبية وعقاقير، وليس نهاية بمنح الجنسية العمانية لأسرتي سلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار، ومستشار الـــرئـيـس الــيــمــنـي ورئيس "أول حكومة فــي دولة الوحدة الــيــمــنــيــة" حيدر أبوبكر العطاس، ومعهم 69 تقريبا مــن أبناء الأسرتين. (9)



لم تكن مساعدات مسقط العاجلة هي السبب الوحيد لعدم قبول اليد الإماراتية مرة أخرى فــي المهرة عــلـى الأرجح، بل كان السبب سعي مسقط الدائم لترسيخ علاقة سعت بها لاحتواء أهالي المناطق الحدودية الــيــمــنــيــة منذ عقود طويلة، وكـــان هدفها بالأساس منح امتدادها الحدودي استقرارا نأى بالمنطقة كاملة عـــن أي صراع بالداخل الــيــمــنـي، وهو استقرار خدم بالتبعية استقرار عمان نفسها بداهة.

وفرضت هذه المعادلة عــلـى أبو ظبي البحث عـــن ورقة أخرى تبدو ظاهريا نابعة مــن رغبة يمنية بانفصال المناطق الجنوبية، وبما يمنح الإمارات أفضلية عــلـى مسقط كون هذه المطالب مدعومة ومزكاة فــي الباطن مــن الداخل الإماراتي نفسه، وحملت هذه الورقة اسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلــى ساحة الانقسامات فــي الجنوب، وعلى رأسه كان "عيدروس الزبيدي"، الشخصية ذات الجدل الواسع فــي أوساط اليمن عــلـى اختلافها.

عهد الزبيدي

بدت حملة "صيد الساحرات" فــي السعودية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي ألقى فيها ولي العهد "محمد بن سلمان" القبض عــلـى عـــدد مــن أمراء المملكة ورجال أعمالها وبعض مــن حلفائها فــي الخارج، وعلى رأسهم رئـيـس الـــوزراء اللبناني سعد الحريري. بدت تلك الحملة غير بعيدة عـــن اليمن، وكـــان نصيبه منها -بطلب قادم رأسا مــن أبو ظبي لفتى المملكة الأول- احتجاز الـــرئـيـس الــيــمــنـي الحالي عبد ربه منصور هادي بـيـن مــن احتجزوا، وقبل أن تثار شكوك واسعة (10) فــي الخامس عشر مــن نوفمبر/ تشرين الماضي بشأن امتلاك هادي الموجود فــي الرياض حينها حرية الحركة أو السفر عائدا إلــى عدن، الـــعــاصــمـة الــيــمــنــيــة المؤقتة، مــن عدمه.

بدا أن الإمارات أرادت تمكين سيطرتها كاملة داخل اليمن، وإن كان هذا عــلـى غير رغبة الرياض نفسها المعارضة لتحركات أبو ظبي فــي جــــنـوب حديقة الأولى الخلفية، وبما يشمل فتح الطريق أمام الجماعات الانفصالية مــن جديد للمطالبة بتقسيم اليمن، وهي مطالب ليست جديدة فــي ذاتها، إلا أنها قد تفتح جبهة أخرى لحرب لا يمكن التنبؤ بكيفية نهايتها.

إقرأ أيضاً: صحيفة لندنية تكشف دور المال الإماراتي في شراء الولاءات باليمن


لم يمنع التعارض بـيـن الرياض وأبو ظبي استمرار الأخيرة فــي سعيها الداعم للجنوب، والذي تجلى واضحا فــي تحركاتها خلال العام الماضي، وإن بدأتها قبل ذلـك بسنوات، وحملت فــي مـــا حملت مــن شخصيات اسم الزبيدي عــلـى رأسها، الذي تم تعيينه (11) مــحــافــظًا لمدينة عدن أواخر عام 2015، بعد اغتيال محافظها الأسبق جعفر محمد سعد فــي ديسمبر/ كانون الأول مــن العام نفسه.
لا يخفى عــلـى أحد كون الزبيدي ورفيقه فــي حركة "الـــمــقــاومــة الجنوبية" "شلال شائع" -وهو الذي عُين مديرا لأمن مــحــافــظــة عدن بقرار مــن هادي نفسه وبضغوط إماراتية فــي وقت تعيين الزبيدي- عــلـى علاقة وثيقة بقوات الــتــحــالــف فــي اليمن (12) وبالدولتين ذاتهما اللتين تواجد الزبيدي فيهما عــلـى فترات مختلفة خلال مراحل هربه مــن الـــرئـيـس الـــســـابـق علي عبد الله صالح، عــلـى اعتبار أن الرجل أحد القادة المطالبين، منذ نعومة أظافره، بانقسام اليمن وعودة الجزء الجنوبي منه إلــى حدود مـــا قبل 1990. أما العلاقة المضطربة، والتي يُعتقد أنها السبب فــي تشدد الإمارات مـــع الـــرئـيـس هادي، فقد بدأت تفاصيلها مطلع العام الماضي، وتحديدا فــي فبراير/ شباط، وفـــي مـــا عُرف بعد ذلـك بـ"أزمـــة مطار عدن". (13)

بدأت الأزمـــة مـــع عودة "اللواء الرابع حرس رئاسي" مــن معاركه مـــع الحوثيين بمدينة صعدة الحدودية مـــع السعودية، وبطلب مــن هادي لقائد اللواء الموالي له العميد "مهران القباطي"، توجه اللواء لاستلام حراسة مطار عدن مــن القوة العسكرية الحامية له والمؤلفة مــن قـــوات "الـــحــزام الأمـــني" الموالية للإمارات بقيادة الـــمــقــدم "صالح العميري". ولا يصعب تخيل أن القوة قد رفضت تسليم المطار لقوات الحرس الرئاسي، وأن تحليق القوات الإماراتية طوال ليلة الثالث عشر مــن فبراير/شباط 2017 فوق المطار لمساندة القوة الموالية لها عــلـى أرضه قد هيأ الجميع للصراع القادم هذه المرة بـيـن الإمارات والرئيس الــيــمــنـي نفسه الذي أصبح النفوذ الإماراتي مهددا لوجوده وسلطاته.

وردا للصفعة الإماراتية  أقال هادي بعض المحسوبين عــلـى أبو ظبي فــي حكومته -وعلى رأسهم وزير الدولة هاني بن بريك- فــي السابع والعشرين مــن أبريل/ نيسان الماضي، وفـــي اليوم نفسه لإقالة الزبيدي مــن منصبه محافظا لعدن، وكـــان هذا المنصب منح الأخير قوة يحسب حسابها لكونه أحد أبناء مــحــافــظــة الضالع الجنوبية التي تُعد موطن انطلاق الحراك الجنوبي وتشكل مـــع عدن محطة رئيسية للحراك الانفصالي، لكن هذه الضربة رُدت مضاعفة إلــى هادي نفسه، ليس فقط باحتجازه فــي الرياض بعد ذلـك، بل بما سبق واستمر معه مــن حراك انفصالي تزعمه الزبيدي نفسه، وبعد أيام فقط مــن إقالته. (14)

خرجت المظاهرات فــي المناطق الجنوبية تندد بإقالة الزبيدي وابن بريك بعد أيام مــن قـــرار هادي، لكنها أيضا خرجت تطالب الزبيدي بتكوين مـــا عرف بعد ذلـك باسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" كقيادة سياسية تمثل المناطق الانفصالية داخل اليمن وخارجها، وتسعى لتحقيق سياستها الهادفة فــي النهاية للعودة إلــى حدود مـــا قبل 1990، وهي سياسة لخصها "بيان عدن التاريخي" فــي الحادي عشر مــن مايو/ أيار التالي حيث منح المناطق الجنوبية مـــا يشبه الحق فــي تـقــريـر مصيرها بعيدا عـــن سلطة الــحــكــومــة الــيــمــنــيــة فــي عدن، وبما يحقق مصالح الجنوب التي بدت فــي النهاية مصالح الإمارات أيضا.

سقطرى 

تختصر محاولات انفصال جــــنـوب اليمن، ليس فقط الرغبة فــي العودة لحدود سابقة لحرب 1994 كان فيها الجنوب بالفعل غير تابع لليمن بشكله الحالي، بل يتشكل منبعها الرئيسي لسنوات طويلة سابقة مــن إهمال وتهميش مستمر (15) قادت فيها حكومات علي عبد الله صالح محاولات وأد الانفصال ومنع إمكانية حدوثه بالأساس، وعلى مـــا يبدو فإن هذا لم يحدث بحال، لذلك فإن معاناة الجنوب استمرت بالفعل، وإن تخففت محافظتا المهرة وحضرموت تحديدا مــن حدتها نظرا لوجود حليف قريب فــي مسقط يرغب فــي الحفاظ عــلـى حدوده آمنة مــن الـــحــرب، لكن لم يكن الحال مماثلا فــي منطقة أخرى تابعة للجنوب -كما اليمن- دون أن تتشارك حدودها إلا مـــع المحيط الهندي، هناك حيث يقبع أرخبيل سقطرى وعلى مقربة مــن خليج عدن، طبيعة منحت المنطقة خصوصية سياسية كونها تتحكم فــي حركة المرور كاملة عبر الخليج إلــى المحيط الهندي.
منح الموقع الجغرافي للأرخبيل أهمية سياسية جعلت منه محور العديد مــن النزاعات كان أبرزها إبان الـــحــرب الباردة بـيـن الولايات المتحدة والسوفيات. أما الآن وقد وقعت الجزر منذ عقود تحت سلطة اليمن، وفـــي المناطق الجنوبية منها، فقد شكلت المطالب الانفصالية فرصة ذهبية ليس فقط للمطالبين بالانفصال أنفسهم، ولكن لأبو ظبي أيضا، وإن بدا فــي النهاية أنها ليست بحاجة للانتظار، إذ شكل عام 2015 تحديدا المحطة الأولى فــي مشاريع مثيرة للجدل بدأتها الإمارات فــي سقطرى، بداية مــن مستشفى خليفة ومرورا ببناء عـــدد مــن المدارس ومطار سقطرى، إضافة لمشاريع تنموية وسياحية عديدة (16).

إقرأ أيضاً: عمُان تفند مزاعم الإمارات بشأن جزيرة سقطرى (إستمع)


بدأت أبو ظبي الأمر -كما بدأته فــي مناطق الجنوب عــلـى اختلافها- بقائمة طويلة مــن "المساعدات الإنـســانـيـة" للأرخبيل، وإن تبعتها هذه المرة بإرسال 80 آلية عسكرية إلــى الجزيرة بحجة تخريج دفعة مــن المتدربين فــي الإمارات وعودتهم للأرخبيل لمهام حفظ الأمـــن ورعاية مصالح الإقليم، وإن بدت هذه المصالح فــي مـــا بعد هي مصالح الإمارات نفسها، أو بمعنى آخر مصالح رجـــال الأعمال الإماراتيين الذين غمروا الأرخبيل بعد ذلـك (17).

كانت البداية مـــع وصول الــيــمــنـي المحسوب عــلـى الإمارات ونائب الـــرئـيـس الأسبق "خالد بحاح" إلــى سقطرى فــي مارس/آذار 2016 متبوعة بإعلان اتفاقية تقوم بموجبها أبو ظبي بإعادة إعمار الأرخبيل، والتي بموجبها أيضا قام رجـــال الأعمال الإماراتيون بعمليات شراء واسعة لأراضي وشواطئ الجزيرة. وبالرغم مــن أن مثل هذا الاهتمام قد جذب التفات الــحــكــومــة الحالية بقيادة هادي الذي ألغى الاتفاقية كاملة فــي مـــا بعد، بل وأطاح ببحاح نفسه، فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زاد عليه توسع مشاريع الإمارات فــي الجزيرة، بداية مــن تنفيذ مراحل إعادة الإعمار وبما يشمل بناء مطار الجزيرة وعدة مشاريع سياحية، وليس نهاية بالقاعدة العسكرية المزعوم إنشاؤها لإيواء نحو 2300 جـــنـدي يمني تقوم الإمارات بتدريبهم داخلها.

بدت تحركات أبو ظبي الواسعة فــي مناطق يمنية عدة مدعومة برجال محسوبين عــلـى الإمارات فــي كل شبر تقريبا مــن أراضي اليمن، فإما كانوا مــن قبل تابعين لها كبحاح، أو صنعتهم بمنظومة واسعة مــن تدريبات عسكرية قامت عــلـى تجنيد أبناء الأقاليم الــيــمــنــيــة عــلـى اختلاف توجهاتها وانتماءاتها.

وقابل هذه التحركات مثيلاتها مــن عمان عــلـى حدود اليمن المشتركة معها فــي المهرة، لكن هذه التحركات اتخذت نطاقا واسعا مــن السعي للانفصال بداية، وليس نهاية بلعبة تتسع يوما بعد يوم مــن شراء الولاءات وتقسيم المصالح كل عــلـى حدة. أما مـــا لم تُحسب عواقبه فــي هذه التحركات التي تحكمها بالأساس مصالح دول عدة -ليس مــن ضمنها اليمن نفسها- فإنه لم تتوقف عند حدود استمرار التهميش والإهمال الذي تزايد بإطاحة الإمارات بأهالي البلد أنفسهم فــي مناطق واسعة مــن الجنوب لأجل إقامة قواعد عسكرية أو مشاريع خـــاصـــة كما حدث فــي سقطرى، بل استمر وصولًا لأزمة إنسانية متفاقمة منذ سنتين تقريبا لا تُفلح أي مــن المساعدات القادمة مــن اتجاهات عدة فــي احتوائها.

وفيما تتوالى النزاعات عــلـى كعكة المصالح الــيــمــنــيــة فإن انتهاء الـــحــرب نفسها أو معارك المصالح هذه غير وارد فــي الأفق القريب عــلـى الأقل، كما هو حال محاولات إصلاح الأوضاع الإنـســانـيـة هناك أو نهاية الـــحــرب عسكريا وسياسيا.


إقرأ أيضاً: زنازين بن زايد.. سجون الإمارات وأسطورة دولة السعادة 


الاسم

آراء,25,إحسان الفقية,1,أخبار,244,إسبانيا,8,إسرائيل,9,إغتصاب,5,إقتصاد,15,الأرجنتين,1,الأردن,2,الإمارات,41,البمن,2,البيضاء,1,الجزائر,1,الجوف,3,الحديدة,23,الحوثيون,70,الحوثيين,3,السعودية,86,السودان,3,الصين,1,الضالع,1,العراق,1,القاعدة,1,الكويت,4,المغرب,2,الملك سلمان,2,المهرة,2,الهند,1,اليمن,285,اليمن، خالد الرويشان، آراء,1,أمريكا,36,إنفوغراف,8,أوباما,1,إيران,13,برشلونة,2,بريطانيا,5,تحرش,1,تحقيقات,3,تحليلات,7,ترامب,19,تركيا,3,تعز,4,تفاعل,13,تقارير,83,تقريرTV,2,تكنولوجيا,5,تونس,1,جرائم,1,جمال خاشقجي,4,جمال عامر,1,حجة,4,حزب الله,1,حضرموت,1,حياتنا,2,دعارة,3,ديفيد هيرست,2,ذمار,4,رشاد السامعي,1,رمضان,1,روسيا,6,ريال مدريد,2,ساخن,1,سقطرى,3,سوريا,5,سوشل ميديا,5,سيارات,1,سيئون,1,صالح,24,صحافة,8,صحة,9,صعدة,3,صنعاء,59,ضاحي خلفان,1,طرائف,1,عاجل,14,عادل الأحمدي، آراء,1,عبدالملك الحوثي,7,عدن,28,عربي,1,علي عبدالله صالح,5,عمان,8,غرائب,2,فرنسا,2,فلاشات,5,فلسطين,5,فن,1,فوق السلطة,1,فيديو,24,قبائل حجور تكسر الحوثي,2,قرارات,2,قطر,7,كاريكاتير,1,كأس العالم 2018,1,كمال البعداني,1,كندا,1,كوريا الشمالية,3,لبنان,6,لحج,1,ليبيا,2,مأرب,2,ماكرون,2,ماليزيا,1,محلي,9,محمد بن زايد,5,محمد بن سلمان,11,محمد جميح,2,محمد عبدالسلام,1,محمد مصطفى العمراني,1,محمد هنيد,1,مروان الغفوري,7,مشاهير,14,مصر,6,ملاعب,9,مميز,10,منوعات,16,ميديا,29,ميركل,1,نُبذة عن,2,نبيل عودة,1,هادي,8,وثائقي,4,وجوة,4,ولد الشيخ,10,ياسين التميمي,6,ياسين سعيد نعمان,1,
rtl
item
عاجل بوست: «الصراع الصامت».. التحرش الإماراتي بعُمان جنوبي اليمن
«الصراع الصامت».. التحرش الإماراتي بعُمان جنوبي اليمن
في الجنوب اليمني، يدور صراع صامت بين الإمارات وسلطنة عمان، تشكل محافظة المهرة فيه حلقة من حلقات السعي لبسط النفوذ وتحقيق المصالح. فما قصة هذا الصراع، وما أبرز ملامحه؟
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEggrAr03M-psS7O4RlqXYW5C8Fjs6nlR1seFvSWjFMsYnTfwiKZFwzDCTeajRSATkcfFf8H9LpXYeLSpY5IncoNFiQ_AnnilRbgQ8VU-vqjj3ZBpRinTZqozNjORDC82ygGL97cFkEadvU/s400/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25B1%25D8%25A7%25D8%25B9+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25AA.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEggrAr03M-psS7O4RlqXYW5C8Fjs6nlR1seFvSWjFMsYnTfwiKZFwzDCTeajRSATkcfFf8H9LpXYeLSpY5IncoNFiQ_AnnilRbgQ8VU-vqjj3ZBpRinTZqozNjORDC82ygGL97cFkEadvU/s72-c/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25B1%25D8%25A7%25D8%25B9+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25AA.jpg
عاجل بوست
https://www.aajelpost.net/2018/01/blog-post_83.html
https://www.aajelpost.net/
https://www.aajelpost.net/
https://www.aajelpost.net/2018/01/blog-post_83.html
true
316963351525451398
UTF-8
تحميل جميع المشاركات لم يتم العثور على أي مشاركة عرض الكل إقرأ المزيد الرد إلغاء الرد حذف عبر الرئيسية صفحة رقم المشاركات عرض الموضوع بالكامل مواضيع متعلقة قسم إرشيف بحث جميع المشاركات لم يتم العثور على شيء مطابق العودة إلى الرئيسية الأحد الآثنين الثلثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat يناير فبراير مارس إبريل مايو يونيو يوليو أغسطس سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر Jan Feb Mar Apr مايو Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec الآن منذ 1 دقيقة $$1$$ minutes ago منذ 1 ساعة $$1$$ hours ago يوم أمس $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون إتبع THIS CONTENT IS PREMIUM Please share to unlock نسخ الرمز بالكامل تحديد الرمز بالكامل تم نسخ جميع الرموز إلى الحافظة الخاصة بك Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy