تعد هذة أكبر عملية إطلاق صواريخ بالستية ينفذها الحوثيون منذ بداية الحرب
عاجل بوست - الموقع بوست:
أطلقت جماعة الحوثي أمس الأحد عدة صواريخ عــلـى مواقع فــي المملكة العربية السعودية فــي أكبر عملية إطلاق مــن نوعها منذ عامين.
وقــالـت وكــالــة "سبأ" الناطقة باسم حكومة الحوثيين فــي صنعاء إن مـــا يسمى بالقوة الصاروخية أطلقت ضربات بصواريخ باليستية واسعة عــلـى أهداف سعودية.
ووفقا للوكالة فقد استهدفت الصواريخ كلا مــن مطار الملك خالد الدولي بالرياض بصاروخ بركان تو إتش، ومطار أبها الإقليمي بصاروخ قاهر تو إم، إضافة لقصف مطار نجران وأهداف أخرى فيها، وقصف مطار جيزان وأهداف أخرى بدفعة مــن صواريخ بدر البالستية.
أما رواية الــتــحــالــف الـــعــربـي، فقد بدت متسقة مـــع مـــا ذكره الحوثيين، لكنها سعت لتخفيف وتهوين الحدث، بوصفها أنها أطلقت بطريقة عشوائية وعبثية، استهداف المناطق المدنية الآهلة بالسكان.
وقــال الـــمــتــحــدث الرسمي لقوات الــتــحــالــف الـــعــربـي العقيد الركن تركي المالكي بإن عـــدد الصواريخ التي أطلقت مــن قبل الحوثيين وصل إلــى سبعة، ثلاثة منها كانت باتجاه مـــديـنـة الرياض وواحد باتجاه خميس مشيط وواحد باتجاه نجران واثنان باتجاه جازان.
واعتبر المالكي هذه العملية بأنها عــمــل عدائي وعشوائي مــن قبل الحوثيين المدعومين مــن إيران، ودليل يثبت استمرار تورط دعم النظام الإيراني للحوثيين بقدرات نوعية، فــي تحدٍ واضح وصريح لخرق القرار الأمــمــي (2216) والقرار (2231).
وتأتي هذه العملية متزامنة مـــع الذكرى الثالثة لإنطلاق العمليات العسكرية للتحالف الـــعــربـي فــي اليمن، والتي بدأت مثل هذا اليوم مــن العام 2015م، وهي تعبير عـــن تطور لافت فــي الأحداث التي تشهدها اليمن منذ ذلـك الحين.
ظلت الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثي محط جدل منذ أول صاروخ أطلق نحو الرياض ومدن سعودية أخرى العام الماضي، وبقدر مـــا يعتبرها الحوثيين انتصارا فــي معركتهم مـــع السعودية، سعت الرياض لإستغلالها كورقة سياسية وعسكرية تؤكد مشروعية تدخلها فــي اليمن، وأحقية الـــدفـــاع عـــن نفسها.
استخدمت السعودية أيضا تلك الصواريخ باعتبارها دليل يؤكد تورط إيران فــي دعم الحوثيين بالسلاح والعتاد، وهي تهمة لم تعد مقتصرة عــلـى اللغة الإعلامية والحديث الـــسـيـاسـي، بل امتدت إلــى داخل أروقة الأمــم الـــمــتـحــدة، حينما قدمت الرياض بقايا الصاروخ الذي أطلق عليها باعتباره صناعة إيرانية.
وتولت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية فــي مـــجـــلـــس الأمـــن إقناع أعضاء المجلس بأن ذلـك الصاروخ يثبت تورط طهران بدعم الحوثيين، واختراقها للقرار الأمــمــي 2216 الذي حظر توريد الأسلحة للحوثيين فــي اليمن، وعرضت الدبلوماسية الأمريكية اشرطة فيديو لأعضاء المجلس توضح ارتباط الصاروخ بإيران.
وكـــان هذا الحماس الأمريكي دافعا لبريطانيا لتقديم مشروع قـــرار يدين إيران ودعمها للحوثيين، وهو المشروع الذي لقي دعما أمريكيا، وجرى تقديمه للمجلس، لكن التصويت عليه فشل بسبب اعتراض روسيا، واستخدامها لحق الفيتو، مبررة ذلـك بعدم كفاية الأدلة التي تدين طهران، وطالبت بإقرار آليات جديدة للرقابة عــلـى الأسلحة، وعقب ذلـك صرحت ممثلة أمريكا بأن واشنطن ستتابع عملها مـــع السعودية لإدانة إيران بطريقتها الخاصة.
إيران مــن جانبها تسارع لنفي الاتهامات السعودية، مـــا يشير إلــى أن الـــصـــراع هنا يتمحور فــي اساسه بـيـن الخصمين التقليديين، الرياض وطهران، لكن مـــا يبدو مثيرا وملفتا هي استمرار تدفق تلك الصواريخ للحوثيين، والتي تشهد مزيد مــن التطور مــن وقت لآخر، فالسعودية كانت قد أعلنت بعد شهرين مــن عاصفة الحزم عــلـى لسان الناطق الـــســـابـق باسم الــتــحــالــف أحمد عسيري أن طائراتها تمكنت مــن تدمير السلاح الذي يشكل خطرا عليها فــي اليمن، وفرضت حصارا جويا وبحريا وبريا عــلـى المنافذ الــيــمــنــيــة، وأخضعت كل الواردات إلــى اليمن لرقابة الــتــحــالــف وإشرافه المباشر.
تشير عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة إلــى أن الحوثيين تمكنوا مــن تحقيق تقدم نوعي فــي قوتهم الصاروخية خلال العامين الماضيين رغم الحصار المفروض، لكن الطريقة والكيفية التي ساعدتهم فــي ذلـك لاتزال غامضة، فأغلب الصواريخ التي يمتلكها اليمن تعود لفترة الثمانينات مــن القرن الماضي، ولا يُعلم أيضا مقدارها، وقــال الـــرئـيـس الـــســـابـق علي عبدالله صالح فــي تصريح متلفز بثته قناة اليمن اليوم التابعة له فــي الـ17 مــن فبراير 2016م بأن اليمن لاتزال تمتلك مخزونا مــن العتاد يكفي لـ11 سنة قادمة، وأن مـــا تم تدميره لا يعني القضاء عــلـى كل العتاد.
وجاءت هذه العملية فــي ظل نوع مــن الانفتاح والتواصل الذي نشأ بـيـن السعودية والحوثيين مؤخرا، مــن خلال المباحثات السرية التي عقدها الجانبين فــي الـــعــاصــمـة العمانية مسقط التي يتواجد فيها محمد عبدالسلام منذ شهرين، وجرت تلك المباحثات دون علم الــحــكــومــة الــيــمــنــيــة، وهو مـــا كشفت عنه وكــــالــة رويترز قبل أيام، وأكده تصريح قيادي حوثي لموقع سي إن إن الأمريكي الناطق باللغة العربية.
كما أنها تأتي فــي ظل تواجد الــــمــبـعــوث الأمــمــي الجديد فــي اليمن مارتن جريفيث داخل الـــعــاصــمـة صنعاء التي يزورها للمرة الأولى، لإحياء عملية الـــســلام فــي الـــبـلاد بعد تعثرها خلال العامين الماضيين، مـــا يشكل اختبارا حقيقيا له فــي التعامل مـــع الملف الــيــمــنـي، ويقلل مــن فرص الإتجاه نحو الـــســلام، و تتزامن أيضا مـــع زيارة ولي العهد الــســعــودي محمد بن سلمان الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أبرم فيها العديد مــن صفقات السلاح بملايين الدولارات، وحثته واشنطن عــلـى التسريع بالحل الـــسـيـاسـي للوضع فــي اليمن، وهو مـــا انعكس عــلـى تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الذي أكــــد بأن الحوثيين سيكونوا جزءا مــن أي عملية سياسية فــي اليمن شريطة التخلي عـــن رغبتهم فــي السيطرة عــلـى كامل الأراضي الــيــمــنــيــة.
ومن شأن هذه العملية أن تؤدي إلــى العديد مــن السيناريوهات، سواء فــي الجانب الـــسـيـاسـي، حيث ينخرط الجانبين فــي مــفــاوضــات شاملة، مـــع بقية الأطراف، أو فــي الجانب العسكري لتبادل الردود القتالية، أو التصعيد دوليا مــن قبل السعودية بإعتبار الحادثة تمثل دليلا ضد إيران كما بدا فــي تصريح ناطق الــتــحــالــف الـــعــربـي.
لكنها فــي كل الأحوال تشير إلــى أن سياسة الردع السعودية تجاه الحوثيين لم تجدي، وأسلوب الأحتواء الذي تحاول الرياض العمل به لم ينجح عــلـى أقل تقدير حتى اللحظة، أما تزامنها مـــع ذكرى إنطلاق عاصفة الحزم، فتحمل دلالة ملفتة، فقد أعطت انطباعا واضحا بأن العمليات العسكرية المتواصلة منذ ثلاث سنوات لم تحقق أهدافها فــي اليمن، وفشلت الرياض فــي إثناء الحوثيين أو الحد مــن قدرتهم، وهو مـــا يشكل إحراجا بالغا للسعودية أمام نفسها أولا، وأمام الـــعــالــم ثانيا.
وإذا مـــا استثنينا حسن النية، فلا يستبعد أيضا وجود خدمات تخابر متبادلة بـيـن السعودية والحوثيين، فولي العهد الــســعــودي محمد بن سلمان بحاجة لعملية كهذه لإثبات صوابية وأهمية شراء الأسلحة مــن مختلف دول الـعالـم، بحجة وجود تهديدات تستهدف بلاده، بعد إنفاقه السخي عــلـى صفقات السلاح المختلفة، بما فيها تلك التي أبرمها مؤخرا أثناء زيارته الحالية لواشنطن.
أما حصول الحوثيين عــلـى هذا التطور فــي قوتهم الصاروخية، فيثير أيضا علامات استفهام كثيرة عـــن كيفية وصول السلاح لهم إذا سلمنا جدلا بأن إيران هي مــن تمدهم بذلك السلاح، خـــاصـــة فــي ظل الحصار المطبق عــلـى اليمن مــن الــتــحــالــف نفسه.